إسرائيل وتشويش على استقلال الجزائر في 1962م....و تسلّل عناصر إسرائيلية إلى الجزائر جاءت لتدريب الـ OAS....
إثر فشل المفاوضات في لوغران Lugrain بين ديغول وجبهة التحرير الوطني، بدأ الجنرال يفكر في تقسيم الجزائر أو على الأقل يهدّد الثوّار به ليفرض عليهم رؤيته للحلّ الذي كانوا يتفاوضون بشأنه. هنا بالذات يطرأ العنصر الإسرائيلي كمشوّش على الثورة وكمناهض لاستقلال الجزائر، وذلك من خلال زيارة خاطفة للزعيم الصهيوني الإسرائيلي بن غوريون للجنرال ديغول.
كتب ميشال بار زوهار Michel Bar-Zohar في Ben Gourion بن غوريون/الصادر عن دار فاياردFayard في باريس عام 1978 عن هذا اللقاء: "بعد الغذاء، اختفى الاثنان-ديغول وبن غوريون- في قاعة العمل التابعة للجنرال (...) كان بن غوريون متخوّفا من الصعوبات التي سوف تواجهها إسرائيل لو غادرت فرنسا الجزائر. فلم يدّخر جهداً لردع ديغول عن اتخاذ قرارٍ كهذا، لكنّه لم ينجح في إقناعه. وبعد أن استمع إلى الخطّة التي تصوّرها محدّثُه الإسرائيلي للإبقاء على الوجود الفرنسي في الجزائر، علا صوت الجنرال: "سبحان الله! أنتم تحاولون إنشاء إسرائيل جديدة في الجزائر! - نعم، ردّ عليه بن غوريون، لكن بفارق واحد: إسرائيل الجديدة سوف تكون مؤَيّدة من طرف فرنسا، بالملايين الـ: 45 من سكّانها وتحالفاتها مع البلدان الغربية....
جرى هذا اللقاء الذي لم يتمكن بن غوريون خلاله من إقناع الجنرال ديغول في يوم17-06-1960....أي، كما يقول رضا مالك، "أسبوع قبل ندوة مولان (conférence Melun) في 25 إلى 29-06-1960..
لكن الإصرار الإسرائيلي على الوقوف في وجه استقلال الجزائر لن يتوقف عند هذا اللقاء وبدون أيّ تحفّظ أو خوف على مستقبل الطائفة اليهودية بالجزائر التي تطالب الدّولة العبرية منذ سنوات بالتعويض لها عن خسائرها وأملاكها (أي الطائفة اليهودية) في الجزائر بعد رحيلها في 1962. كتب رضا مالك في "الجزائر في إيفيان": " في شهر ماي 1962...يتذكرّ ألبير بول لانتان Albert Paul Lentin في حديث مع رضا مالك في 1989... دخل 200 مواطن إسرائيلي من اليمينيين إلى الجزائر؛ ذهب 50 منهم إلى قسنطينة و60 إلى وهران. "كانوا يتفاخرون" بوجودهم في الجزائر، يضيف لانتان، الذي كان قد التقى بعضهم. كانت لديهم قوائم من الأسماء اليهودية بغرض الإقامة عندهم. بالتأكيد، بلغت إلى آذان الأمن الديغولي أصداء التدخّلات الإسرائيلية مع منظمة الـ OAS. هذا الجانب، الذي يشكل أحد الجوانب المجهولة أكثر من غيرها من حرب الجزائر، من المفيد أن يلقى عليه الضوء لتوضيحه في يوم من الأيام. في جويلية 1962، لانتان، المعروف بقربه من المسؤولين الجزائريين، يتلقى اتصالاً من طرف سفارة إسرائيل بباريس، حيث قيل له بالعبارات التالية:" سوف تصبح الجزائر أحد البلدان العربية الأكثر أهمّية. لقد ذهبت بعض عناصر اليمين الإسرائيلية إلى الجزائر.... للأسف، ديغول غير سعيد بذلك...
أما عن عدم رضا ديغول عن هذا الأمر، فإن هذا ما تؤكدّه المهمة السّريّة التي كلّف بها جان لُوي فيجييه (Jeau-Louis Vigier) السيناتور المستقل والرئيس السابق لـ: "مجلس باريس". حسب السيناتور "لقد صُدِم ديغول بتسلّل عناصر إسرائيلية إلى الجزائر جاءت لتدريب الـ OAS، فكلفه إذن بأن يطلب بشدة من الحكومة الإسرائيلية أن تسحب فورا رعاياها من التراب الجزائري، وإلاّ سوف تسوء العلاقات الفرنسية - الإسرائيلية. التقى سيناتور باريس في تل أبيب وزير الشؤون الخارجية أبا إيبان Aba Ebban الذي اعترف له بأنّ هذه العملية ليست من صلاحياته وأن المبادرة فيها تعود لزعيم الإرغون مناحيم بيغن. بعد الاتصال بهذا الأخير من طرف مبعوث الجنرال ديغول، انحنى أمام هذه الرسالة الصارمة التي وجّهت له....
ورغم كل هذه الدسائس والمؤامرات، لم يجد الوزير الأول الإسرائيلي ليفي آشكول (Lévy Aschkol)، عند إعلان استقلال الجزائر، أيّ حرج أو حياء من إرسال برقية تهنئة إلى الدولة الجزائرية على انتزاعها لحرّيتها، برقية أهملها الثوار الجزائريون ولم يعيروها أيّ اهتمام، بل أثارت استغرابهم واستهجانهم....
يظهر إذن واضحا كل الوضوح من خلال شهادة رضا مالك وكذلك ميشال بار زوهار وألبير بول لانتان وجان لويس فيجيي تورّط شريحة من يهود الجزائر مع إسرائيل والـ: OAS لضرب الثورة الجزائرية واستقلال الجزائر. يمكن أن نضيف لها جميعًا شهادة الجنرال الفرنسي إيدمون جوهو، الرجل الثاني في منظمة الـ: OAS في كتابه Ce que je n'ai pas dit (ما لَمْ أَقُلْهُ)، الصادر عن دار فايارد ببارس عام 1977، الذي أكّد أنه استُقبِل بشكل رسمي كمسؤول في منظمته الإرهابية بالمعبد اليهودي لمدينة وهران مؤكّدا في نفس السياق بأن المجلس الملّي لهذه المدينة كان يطالب من يهودها ويضغط عليهم بأن يستعجلوا الانضمام جماهيريا إلى هذه المنظمة الإجرامية صاحبة إرث "الأرض المحروقة".....
واستقلت الجزائر بفضل الرجال...وستبقى حرة طالما بقي فيها الرجال.....


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق