هروب الأسطوري لبن بولعيد من سجن الكدية
بن بولعيد رحمه الله كان حريصا على رفع معنويات رفاقه في الزنزانة ..وكان يقول سي مصطفى في الاجتماع الذي تقرر فيه الهروب من سجن الكدية بأن التاريخ سيذكرنا نجحنا أو أخفقنا وحكم الإعدام الذي نشترك فيه جعلنا متساوون في المسؤولية أمام الله والثورة والوطن......
وطلب بن بولعيد تقديم اقتراحات حول كيفية المساهمة في الثورة من وراء القضبان أولا ثم طرح بعدها فكرة الهروب لتأتي الخطة من حجاج بشير وهو أحد المساجين السابقين بالكدية وينحدر من الخروب.......
و رد حجاج على بن بولعيد "السبيل الوحيد هو حفر نفق في الزنزانة يؤدي إلى الغرفة المجاورة التي هي عبارة عن مخزن لا يفتح إلا من حين لآخر ويؤدي بابه الخشبي إلى فناء ينتهي بحائط يطل هو الآخر على حائط يطل على ممر للراجلين" مضيفا بأن الاقتراح تمت الموافقة عليه بالإجماع........
-------------------------------------------------------------------
كان الأساس في تنفيذ خطة يومها يستطرد المجاهد بزيان طيلة ال 28 يوما من عمر المغامرة كان يقول مزلاج انتزعناه من نافذة الزنزانة وقطع صابون رطب نعجنها بالتراب ثم نخفي بها آثار القطعة الحديدية التي كنا نتناوب على حفر الأرضية الإسمنتية بها ثم نخفيها في مكنسة من الحلفاء لأن كل محتويات الزنزانة تفتش أو تغير دوريا إلا هي...و كان عملنا محصورا بين ال 11 صباحا والثانية زوالا مقطوعا بلحظات توقف كل ربع ساعة موعد تفقد الحراس لنا ثم بين الخامسة والنصف والسادسة ونصف مساء و هي الفترة التي تشهد فترة تبادل المناوبة الليلية....
لكن من حسن حظنا يتابع بزيان كان باب زنزانتنا مواجها للقبلة وكذا باب فناء السجن فعمدنا إلى وضع بطانية أمام الباب الذي كان يفصله عن الأرضية فراغ معتبر نوعا ما ثم يستلقي أحدنا على بطنه فوقها لمتابعة كل التحركات بالخارج وفي حالة قدوم أحد يقف وكأنه يصلي بحيث توكل المهمة كل مرة إلى أحد السجناء حتى لا تثار الشكوك.
و يروي هذا المجاهد أن نزع قطعة من أرضية الزنزانة وكانت مربعة الشكل بحوالي 50 سنتيمترا استغرق 12 يوما ساعدنا في العملية التي شاركنا فيها جميعا دون استثناء الخل الذي كان يشتريه بن بولعيد من مطعم السجن ونضعه على الإسمنت فيجعل الأرضية هشة في حين تصفى الأتربة من الحجارة وتوضع في المرحاض بعد سده بقطعة من بطانية قديمة ثم يدرس بالرجلين مع قليل من الماء حتى يصبح سائلا فتنزع قطعة البطانية وتفتح الحنفية ويذهب الخليط مع الماء......
أما الحجارة فتجمع في منديل يضيف بزيان ثم توضع في زاوية من الزنزانة مخفية عن الأعين بمعطف أحد النزلاء المعلق دوما في مقبض باب الزنزانة بطريقة لا يراها الحارس إذا أطل من الفتحة الموجودة في وسط الباب ونعمد إلى إرجاعها في مكانها في الحفرة قبيل أن يسمح لنا بالخروج إلى الفناء . و كان هذا المجاهد من حين لآخر يذكر وأج بالصعاب التي واجهتهم طيلة المغامرة خاصة الظلام في الجهة الأخرى من الزنزانة فكان علينا يقول بزيان افتعال العراك وإحداث جروح عمدية للحصول على قطع القطن التي نداوى بها ونحتفظ بها خلسة لتتحول بعد وضعها مع شيء من الدسم في صحن حديدي سرقناه من المطبخ إلى فتيل يساعدنا على رؤية المكان.
و استطعنا بفضل مجهود جماعي ذابت فيه الفردية يواصل المتحدث من حفر حوالي متر و نصف ما بين الزنزانة والغرفة المجاورة لنجدها بعد انتهاء العملية كما وصفها لنا حجاج بشير وهنا وبأمر من بن بولعيد قمنا بإفراغ فراشين من القش ووزعنا محتوياتهما على أفرشتنا بالزنزانة تحت الحراسة المشددة في حين قطعنا قطعتي القماش بواسطة جزء من شفرة حلاقة التقطناه في غفلة من حلاق السجن إلى قطع طويلة حولناها إلى حبال لنتسلق بها حائط السجن .
كان باستطاعتنا قتل الحراس لكننا لسنا مجرمين
و يكمل المجاهد بزيان بعد أن أصبح الطريق جاهزا لتنفيذ الهروب أوصانا بن بولعيد بعدم الالتقاء خارج أسوار السجن وعدم اللجوء إلى غابة جبل الوحش لكن لم ينس في خضم تلك الأحداث أن يترك رسالة لإدارة السجن كتب عليها "كان بإمكاننا قتل الحراس لكننا لسنا مجرمين فقط نحن ضد الحكومة الفرنسية".
و كان الموعد أمسية ال 10 نوفمبر 1955 انتظرنا بفارغ الصبر يحكي بزيان وما إن دقت الساعة الخامسة والنصف حتى بدأنا في تنفيذ خطتنا يتقدمنا مصطفى بن بولعيد و المجاهد الراحل محمد العيفة لتشمل قائمة الذين تمكنوا من الفرار يومها هم بزيان و الطاهر زبيري وطيبي إبراهيم و حفطاري علي و/زايدي سليمان و عريف حسين و كرومة حمادي و مشري لخضر و بوشمال أحمد و لم يتمكن 19 سجينا آخرين من الفرار لأن حراس السجن اكتشفوا بعد انقضاء الساعة التي يتم فيها عادة تبادل الحراس بين فترة النهار والليل أن الزنزانة فارغة.
و قتها يقول بزيان كنت أنا وزايدي سليمان ضمن المجموعة الأخيرة التي تخطت أسوار السجن بعد انكشاف أمر الهروب يضيف المجاهد بزيان الذي أكد بفخر أتذكر جيدا عندما أعطيت صفارة الإنذار كان سجن الكدية وراءنا فأطلقنا ساقينا للريح باتجاه منطقة القرارم بميلة......
لكن هانت الصعاب التي مرت بهم عبر الأحراش والجبال التي قطعوها جريا ثم مشيا على الأقدام والليالي البيضاء التي مرت بهم في العراء
وثيقة مرفقة لتقرير... قوات الدرك الفرنسية.. في قضية هروب بن بولعيد من سجن الكدية


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق