إعلان في الرئيسية

أخبار ساخنة

إعلان أعلي المقال

 


ذكريات... من الجيل الذهبي !!
التلميذ ... يجب ألا تضربه ولو بزهرة !!


هذه النتيجة التي إنتهت إليها مناقشات مختصي التربية والتعليم حين يحاولون تقليد المناهج الغربية في التعليم...
في حين ...كان الأولى بهم على الأقل إتباعهم في تحسين المناهج الدراسية للتلاميذ . !
أذكر وأنا صغير في الطور الإبتدائي أستيقظ باكرا رغما عني ...لأني أعلم جيدا أن بانتظاري قرصات حارة في الورك من قبل الوالدة إن لم استيقظ ...وعصا طويلة يحملها المعلم اذا تأخرت دقيقة عن وقت الدوام...
كنا نشاغب أمام باب القسم بفوضى كبيرة من شدة الحماس وكأننا لم نر بعضنا منذ سنوات... فإذا لمحنا الأستاذ من بعيد إصطففنا كالجنود في ساحة الوغى أمام الباب ...فيبدأ المعلم بتنفيذ أسلوب الإخضاع الخاص وهو ما يعرف بحركة "الإسدال والترادف" العالمية والتي لحد الآن... لم أعرف من اكتشفها ؟!!!
بعدها ندخل القسم واحدا واحدا مع رفع الصوت عاليا لتحية الكراسي الفارغة والطاولات ...: " السلااااااام عليييييكم"...
نشرع بعدها بتوزيع الأدوات على طاولة الإستعمار المليئة بالشخبطات والحفر والمخطوطات العتيقة التي ترجع لدهور سحيقة ممن سبقونا من الأجيال السابقة...
يضرب الأستاذ مكتبه بالعصا ضربة واحدة ...!! فتهتز القلوب وتقفز من شدة الخوف....يطلب منا تشبيك الأيدي ويشرع في كتابة الدرس... ولا تسمع حينها همسا ولا نفسا إلا صرير الطبشور الرديء على السبورة القديمة والذي ينزلق أحيانا فيحذث صفيرا تصم له الآذان.. (كانت الطباشير في ذلك العهد مشكلة حقيقية للمعلمين و التلاميذ!! ).
ومع هذا الصمت المطبق... وإذا بالباب يطرق !! إنه أحد التلاميذ وقد تأخر عن الوقت ...يرمقه الأستاذ بنظرة التمساح الذي وجد فريسته جاهزة أخيرا ...أهلا وسهلا ومرحبا... يضع الطبشور جانبا ويمسكه من أذنيه الرفيعتين اللتين ابيضتا من شدة الصقيع والبرد بالخارج ويطبق عليهما بشدة حتى يرتفع التلميذ المسكين في الهواء من شدة الألم ... ثم يذهب الطفل المسكين إلى مكانه وقد اغرورقت عيناه من الدموع ...طبعا ليس لديه حتى حق البكاء !!
بعد أن ينتهي الأستاذ من كتابة الدرس يطلب منا إخراج كراس المحاولة ليراقب واجب الأمس الذي أعطاه لنا !! فتذكرت مباشرة أني لم أحل الواجب !!
((((يااااا إلهي)))...
ويحمر وجهي ثم يزرق ثم يصفر ثم يسود.... وترتفع أنفاسي ولا تنزل ...وكأن قلبي يريد أن يقفز من صدري ...لم يكن عندي حتى الوقت كي أخربش بعض الكلمات على الكراس بحكم أني كنت في الطاولة الأولى! ... نطقت الشهادتين حينها ولم أكن اعرف حتى معناها.!! ..
اقترب مني المعلم ...أين الواجب؟؟؟ فأجبته بتلعثم ...معلم ...للللل...لقد كان أبي في السوق... وأمي لم تشتر لي الكراس... وأنا لم أفطر باكرا ...والمطر كان ينزل في الصباح والكتاب في الخزانة ووو... لم أكن أدري ما أقول أصلا ...المهم تعلمنا أن نجيب بأي شيء وعلى المعلم أن يختار ما يشاء ويكون جملة مفيدة من عنده !!صرخ في وجهي طالبا مني الوقوف في الخلف...إنتظر هناك سأعود لك !!
بدأت حركة أمعائي بالتسارع وزادت عليها ركبتاي اللتان لم تعد تحملاني من شدة الإرتجاف ...
ظننت أني الوحيد الذي لم يحل الواجب... لكن بعد لحظات قصيرة إلتحق بي زميلان وإحدى البنات فابتسمت أخيرا... طبعا كنا نعرف جيدا الحكمة القائلة "إذا عمت خفت" خاصة وأن معنا البنت فسنشفع فيها..
أخرج المعلم (الأم الحنون ) من محفظته الجلدية العتيقة...كانت عبارة عن شيء يشبه اللوح العتيق لكن صلابته كانت أقسى من الحديد ...أطرافها حادة تكسر الصخر ان ضربت به... شرعنا بفرك أيدينا والنفخ فيها بأفواهنا كي لا نشعر بالألم في هذا البرد القارس...
طلب مني المعلم رفع اظافري للأعلى وضمهم جملة واحدة كي يعطف عليهم بعصاه الصلبة ....7.6.5.4.3.2.1. ....وياويلك ان اصدرت صوت البكاء فسيتضاعف العدد لامحاله...
ولما تساقطت قطرات الدموع الكبيرة لوحدها انتقل المعلم الى الشوط الثاني وهو فرد اليدين منبسطتين لبدء عملية الشواء في عز الشتاء....
كنا برغم هذا العذاب الشديد لا نكن للمعلم المربي أي أحقاد أو غل لأننا لم نتربى أن نرفع حتى أعيننا في وجه المعلم ...فقد كان يحصل على كل التقدير والتبجيل شأنه شأن الأب أو معلم القرآن أو أكثر...
أمسك المعلم بعض الطباشير الملونة وطلب مني أخذها للقسم المجاور ...لم أصدق ذلك وارتسمت على محياي ابتسامة العزة ...ووددت لو عانقته بعد أن سلمني هذه المهمة ألا وهي سفير الأمم والأقسام المتحدة ...
نسيت يداي المشلولتان من الضرب وخرجت وأنا أحس بأنني مسؤول رسمي رافعا رأسي وأنفي إلى السماء ودخلت القسم المجاور وأنا أمشي مختالا ...
لما دخلت القسم... إتجهت أنظار الجميع نحوي بينما كنت أتخيل نفسي طائرا فوق السحاب...سلمت الأمانة لصاحبها وخرجت متفاخرا وأنا أقفز في باحة المدرسة... دخلت القسم وعدت لمكاني وكلي اعتزاز بتنفيذ المهمة الرسمية قائلا في نفسي هات ما عندك يا معلم تستحق كل التقدير والثناء...!!
كنا في ذلك الجيل نقدر جيدا قيمة المعلم ...لا أدري هل هو من التربية التي كنا نتلقاها في تقدير المعلم أم هي من أسلوب الصرامة التي كان ينتهجها المعلمون مع التلاميذ......
حتى لو اشتيكنا للأب بأننا قد ضربنا من طرف المعلم فسينقض عليك هو الآخر بالنعل يمينا وشمالا ومن فوق ومن أسفل حتى تندم على اليوم الذي أخبرته فيه بذلك.....
فالحمد لله تلقينا في طفولتنا جميع أنواع الضرب من الضرب على الأظافر ...إلى الأيدي..إلى التعليق من الأذنين...إلى وضع المدور بين الأصابع ...إلى الركل والوقوف خلف القسم طوال الحصة ...وتخرج ذلك الجيل بامتياز وهم اليوم إطارات سامية ولم تتعقد نفسياتهم من الضرب أو تتحطم هممهم مثلما يدعي أصحاب الثقافة اليوم... بل كانت حافزا لهم ودافعا د لمزيد من التعلم والإنضباط .
اليوم ...يقال لك : لا تضرب التلميذ ولو بزهرة !!!
لذلك خرج لنا جيل يرد الكلام على المعلم و يرشقه في الشارع بالحجارة ...ويرفع عليه الولي قضية إن هو وبخ إبنه أو ضربه ضربا خفيفا ...!!
لا ندري إلى أين تتجه المنظومة التربوية لكن المسؤولية الأكبر على الأولياء في ترسيخ قيم التقدير والإحترام للمعلم مثلما كان عليه الجيل الذهبي...
تحية إفتخار ومحبة لكل المعلمين والأساتذة والمربين في كل مكان ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *